مقالات

بيان هام وخطير

بسم الله والحمد لله

 


 

منزلة الفتوى وخطرها على السائل والمسؤول

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أولاً: أشكر الله سبحانه وتعالى بمنه وفضله أن من علينا بنفع الآخرين من خلال هذا المنبر .

ولا ننسى شكرنا لإخواننا وأخواتنا من الأعضاء والزوار المشاركين والمشاركات والمشاهدين والمشاهدات على حسن ظنهم وثقتهم بنا في هذا الصرح المبارك ..

وما أريد الإشارة إليه أن الإجابة على الأسئلة المطروحة في المنتدى

من الأمور الجليلة الخطيرة، التي لها منزلة عظيمة في الدين..

قال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ }[النساء: 127 

وقال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ }[النساء: 176

  • وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى هذا الأمر في حياته،

وكان ذلك من مقتضى رسالته، وكلفه ربه بذلك قال تعالى:

َوأنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44 

  • والمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان – نسأل الله العون والصفح عن الزلل – والمفتي موقع عن الله تعالى ، قال ابن المنكدر : “العالم موقع بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم” . والمفتي إنما هو العالم بالمسألة التي يفتي فيها ، تأسيسا لاتقليدا ، مع ملكة في النظر ، وقدرة على الترجيح والنظر المستقل في اجتهاد من سبقوه ، لا مجرد نقل وحكاية الأقوال . فإن أقدم على الفتوى بمجرد الخرص وما يغلب على الظن فهو آثم ، وعمله محرم ، وقول على الله وعلى رسوله بغير علم ، وهو يتحمل وزر من أفتاه . فعن مسلم بن يسار قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من أُفتي بغير علم ، كان إثمه على من أفتاه ” رواه أبو داود . ولا يشفع له أن يكون أصاب الحق في فتوى بعينها ، ذلك أن المفتي إنما يفتي بكلام الله تعالى ، أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو بالقياس عليهما ، أو بالاستنباط منهما ، وهذه لا يجوز فيها الخرص ، وقد قال سبحانه : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل 43 فقسم الناس في هذا الباب إلى عالم وجاهل ، ولم يجعل بينهما واسطة . فإن أخطأ بعد استفراغ الوسع ، والنظر الصحيح ، فخطؤه مغفور له ـ إن شاء الله ـ لكن لايتابع عليه ، بل يجب تنبيهه ، ويجب عليه الرجوع إلى الحق إذا تبين له . والفتوى قد تختلف من مفت إلى آخر ، بحسب الحظ من العلم والبلوغ فيه، والسائل أو المستفتي عليه أن يسأل من يثق في علمه وورعه، وإن اختلف عليه جوابان فإنه ليس مخيرا بينهما، أيهما شاء يختار، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علمُ المفتي وورعُه وتقواه، وذهب بعضهم إلى أن الترجيح يكون بالأشد احتياطاً” ولعل الصواب أن يكون مناط الترجيح تحقيق مقاصد الشرع ، ومراعاة حال المكلفين. والاختلافات الفقهية منها ما هو سائغ ومنها ما هو غير سائغ، وليعلم المستفتي-أي السائل– أنه لا تخلصه فتوى المفتي عند الله، إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها” رواه البخاري. فلا يظن المستفتي – السائل- أن مجرد فتوى الشيخ الفقيه تبيح له ما سأل عنه، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لعلمه بجهل المفتي،أو بمحاباته له في فتواه، أو أنه تعمد في نقل الصورة الغير واضحة المعالم ,أو المغلوط في تصورها ,و تلاعب في الألفاظ وتحايل في الكلمات ,أو لأن المفتي معروف بالحيل والرخص المخالفة للسنة، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها ، فليتق الله السائل،وليعرف خلاص نفسه، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى.وكما قال رسول الله صلى عليه وسلم يقول :”دع ما يريبك إلى مالا يريبك” وعن وابصة رضى الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال :”يا وابصة استفت قلبك وأستفت نفسك البر ما أطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك”.
  • وبعــد : فإننا ننبه الإخوة الأفاضل من السائلين والسائلات إلى أن المعمول به في هذا الموقع ـ إن شاء الله ـ أو خلافه من المواقع التي أشرف عليها شخصياً – هوالبحث والتقصي عند الإجابة على السؤال وعرضها على من نثق به في دينه وأمانته .. والله حسيبه – ولا نزكي على الله أحداً ..وتكون الإجابة بمقتضى الكتاب والسنة والإجماع وقياس أهل العلم ، وإن كان ثمة تعارض فإننا لا نتخير إلا الراجح في المسألة والأقوى دليلاً ، ولسنا بالخيار نأخذ ما نشاء ونترك ما نشاء ،مستعينين بالله تعالى في ذلك وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ليس للمفتي والعامل في مسألة فيها قولان أو أكثر أن يعمل بما شاء منها بغير نظر ، بل عليه العمل بأرجحها. أهـ.
  • وكذلك لا نتتبع رخص المذاهب وسقطات العلماء ، حيث عد بعض أهل العلم ـ منهم أبو إسحاق المروزي وابن القيم – من يفعل ذلك فاسقاً، وقد خطأ العلماء من يسلك هذا الطريق ، وهو تتبع الرخص والسقطات، لأن الراجح في نظر المفتي هو مظنة حكم الله تعالى عنده ، ولولا ذلك لم يكن راجحاً ، فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة إستهانة بالدين. هذا ما نتبناه منهجا ، ونحاوله ـ جهدنا ـ عملا وممارسة . والله نسأل بمنه وكرمه أن يوفقنا لصواب القول والعمل .
  • فإن أصبنا فمن الله تعالى وحده-وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان –

وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

  • والله تعالى أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق