بسم الله والحمد لله
إذا قطعت الحبال,وأظلمت السبل,وضاقت النفس, اتت الصلاة بفيض من
الرحمة ,وغيث من السكينة,وفجر من الأمن ,فتشرق الروح وتصفوا
النفس,إذا أجدب القلب في فيافي الحياة,وأفلس في بيداء التيه, فلا بارقة
أمل ,ولا إشراقة فجر ,ولا إضاءة رضا ... عندها جاءت الصلاة ليتصل الفناء
بالبقاء ,والضعف بالقوة ,والشك بالقين, والفقر بالغنى, تالله لمنظر المسلم
وهو ساجداً جامعاً نفسه واضعاً أنفه على الطين وقد مرغ وجهه تذلالاً لله
تعالى في التراب ,خاضعاً لمولاه ,يدعو ويتضرع ,و الله إن هذا المنظر ليهز
في النفس الصادقة ,والضمير الحي كل ذرة من ذرات الزيف ,وركام الزور,
وأيم الله إنها لصورة العظمة لكن في أبهى حللها ,وقداس الجلال ,لكن في
أنبل سجاياه, تالله لصورة مشرقة صورة ذلك المؤمن, وقد تقطرت أعضاؤه
من ماء الوضوء, وتفيض عيناه بالدموع ,وتندى عواطفه بالتوبة,والله مابهرني
حفل زائف, تلقى فيه العبارات الرنانة, وتساق فيه قصائد المدح
والإطراء,ولكن بهرني هيكل عبد صادق ,وقف بين يدي الله ,وقد رمى
بالدنيا وما فيها خلف ظهره ,ورفع يديه وصاح :
الله اكبر حلفت برب البروج ومزين المروج , ماشدني حلية المواكب ,
وهملجة المراكب ,ولو دنت لأهلها الكواكب, ولكن شدني إنسان بكى
ساجداً يردد :سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره.
بسم الله والحمد لله
أيها العابد:كل تعب بغير مرضاة الله تعالى الكريم عناء,وكل ملك دون رضى المهيمن هباء,والله
ماأجمل من سجدة خاشعة ,ولا أجل من عين دامعة ,ولا أحسن من رأس حاج أو معتمر
محلق ,ولا أغلى من زاهد متعفف.
ايها العابد :مكوثك في المحراب ,ووقوفك على الأبواب(المساجد) لإنتظار الصلاة ,أثمن من كل
مافوق التراب, لأنك الصادق الوحيد ,والعارف الفريد ,وهم في الدجل يهرفون, وفي الزور
يغرفون,تحدر ماء الوضوء من لحيتك ,أزهى من بريق الدرر في االتيجان ,وتساقط الدمع
من جفنك ,أبهى من عقود الؤلؤ في المهرجان ,انفاسك عبير من جنة المحبة, وزفراتك مسك
من روضة أنس.
أيها العابد :يكفيك فخراً أنك سلمت من لغط الأسواق ,وزور الأبواق ,وحسبك شرفاً أنك في
عبادة إذا نمت ,وفي ورد إذا قمت ,وفي رشد إذا عزمت ,وفي صلاة إذا سبحت .
أيها العابد :كوخك أعظم الإيوان ,وحصيرك أغلى من الحرير ,وقميصك أغلى من
الديباج ,طوبى لك فما فاتك إلا دجل العامة ,وما فقدت إلا لهو المترفين العابثين .
وكيفيك قول الله تعالى :{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28